الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{قَالَ} استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال ينساق إليه الذهنُ، كأنه قيل: فماذا قال عز وجل؟ فقيل: قال: {أَلْقِهَا ياموسى} لترى من شأنها ما لم يخطُر على بالك من الأمور، وتكرارُ النداءِ لتأكيد التنبيه.{فألقاها} على الأرض {فَإِذَا هِىَ حَيَّةٌ تسعى} رُوي أنه عليه الصلاة والسلام حين ألقاها انقلبت حيةً صفراءَ في غِلَظ العصا ثم انتفخت وعظُمت، فلذلك شُبّهت بالجانّ تارةً وسميت ثُعبانًا أخرى وعبّر عنها هاهنا بالاسم العامّ للحالين، وقيل: قد انقلبت من أول الأمر ثعبانًا وهو الأليقُ بالمقام كما يفصح عنه قوله عز وجل: {فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ} وإنما شبهت بالجان في الجلادة وسُرعة الحركةِ لا في صِغَر الجُثة، وقوله تعالى: {تسعى} إما صفةٌ لحيّةٌ أو خبرٌ ثان عند من يجوز كونَه جملة.{قَالَ} استئناف كما سبق {خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ} عن ابن عباس رضي الله عنهما: انقلبت ثعبانًا ذكَرًا يبتلع كلَّ شيء من الصخر والشجَر، فلما رآه كذلك خاف ونفَر، وما يملك البشرُ عند مشاهدةِ الأهوال والمخاوفِ من الفزع والنّفار، وفي عطف النهي على الأمر إشعارٌ بأن عدمَ المنهيّ عنه مقصودٌ لذاته لا لتحقيق المأموريةِ فقط وقوله تعالى: {سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا الأولى} مع كونه استئنافًا مسوقًا لتعليل الامتثال بالأمر والنهي فإن إعادتَها إلى ما كانت عليه من موجبات أخذها، وعدمِ الخوفِ منها عِدَةٌ كريمةٌ بإظهار معجزةٍ أخرى على يده عليه الصلاة والسلام، وإيذانٌ بكونها مسخَّرةً له عليه الصلاة والسلام ليكون على طُمَأْنينة من أمره ولا يعتريه شائبةُ تَزلزُلٍ عند مُحاجّة فرعون، أي سنعيدها بعد الأخذ إلى حالتها الأولى التي هي الهيئةُ العَصَوية.قيل: بلغ عليه الصلاة والسلام عند ذلك من الثقة وعدمِ الخوف إلى حيث كان يُدخل يدَه في فمها ويأخذ بلَحْيَيها. والسِّيرةُ فِعْلةٌ من السير تجوز بها للطريقة والهيئة، وانتصابُها على نزع الجارِّ أي إلى سيرتها، أو على أنّ أعاد منقولٌ من عاده بمعنى عاد إليه، أو على الظرفية أي سنعيدها في طريقها، أو على تقدير فعلها وإيقاعِها حالًا من المفعول أي سنعيدها عصًا كما كانت من قبل تسير سيرتَها الأولى، أي سائرةً سيرتَها الأولى فتنتفعَ بها كما كنت تنتفع من قبل.{واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ}.أُمر عليه الصلاة والسلام بذلك بعدما أخذ الحيةَ وانقلبت عصًا كما كانت أي أدخلها تحت عضُدِك فإن جناحَيْ الإنسانِ جنباه كما أن جناحيَ العسكر ناحيتاه مستعارٌ من جناحي الطائرِ، وقد سُمّيا جناحين لأنه يجنَحُهما أي يُميلهما عند الطيران وقوله تعالى: {تُخْرِجُ} جوابُ الأمر وقوله تعالى: {بَيْضَاء} حالٌ من الضمير فيه وقوله تعالى: {مِنْ غَيْرِ سُوء} متعلقٌ بمحذوف هو حالٌ من الضمير في بيضاء أي كائنةً من غير عيب وقبح، كنّي به عن البرص كما كنّي بالسوأة عن العورة لما أن الطِباعَ تعافه وتنفِر منه، روي أنه عليه الصلاة والسلام كان آدمَ فأخرج يده من مُدرّعته بيضاءَ لها شُعاعٌ كشعاع الشمس تُغشّي البصرَ {ءَايَةً أخرى} أي معجزةً أخرى غيرَ العصا وانتصابُها على الحالية إما من الضمير في تخرجْ على أنها بدلٌ من الحال الأولى، وإما من الضمير في بيضاءَ، وقيل: من الضمير في الجار والمجرور، وقيل: هي منصوبةٌ بفعل مضمرٍ نحوُ خذْ أو دونك وقوله تعالى: {لِنُرِيَكَ مِنْ ءاياتنا الكبرى} متعلقٌ بمضمر ينساق إليه النظمُ الكريم، كأنه قيل: فعلنا ما فعلنا من الأمر والإظهارِ لنُريَك بذلك بعضَ آياتنا الكبرى، على أن الكبرى صفةٌ لآياتنا أو نريَك بذلك من آياتنا ما هي كُبرى على أن الكبرى مفعولٌ ثانٍ لنُريَك ومن آياتنا متعلق بمحذوف هو حال من ذلك المفعولِ، وأيًا ما كان فالآيةُ الكبرى عبارةٌ عن العصا واليدِ جميعًا، وأما تعلقُه بما دل عليه آيةٌ أي دلّلنا بها لنريك.. إلخ، أو بقوله تعالى: {واضمم} أو بقوله: {تُخْرِجُ} أو بما قُدّر من نحو خذ ودونك كما قال بكلٍ من ذلك قائل، فيؤدّي إلى عَراء آيةِ العصا عن وصف الكِبَر فتدبر. اهـ.
.قال الألوسي: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17)}.شروع في حكاية ما كلفه عليه السلام من الأمور المتعلق بالخلق إثر حكاية ما أمر به من الشؤون الخاصة بنفسه. فما استفهامية في محل الرفع بالابتداء و{تِلْكَ} خبره أو بالعكس وهو أدخل بحسب المعنى وأوفق بالجواب و{بِيَمِينِكَ} متعلق بمضمر وقع حالًا من {تِلْكَ} أي وما تلك قارة أو مأخوذة بيمينك والعامل فيه ما فيه من معنى الإشارة كما في قوله عز وجل حكاية {وهذا بَعْلِى شَيْخًا} [هود: 72] وتسميه النحاة عاملًا معنويًا.وقال ابن عطية: تلك اسم موصول و{بِيَمِينِكَ} متعلق بمحذوف صلته أي وما التي استقرت بيمينك.وهو على مذهب الكوفيين الذين يقولون إن كل اسم إشارة يجوز أن يكون اسمًا موصولًا.ومذهب البصريين عدم جواز ذلك إلا في ذا بشرطه.والاستفهام تقريري وسيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى بيان المراد منه.{قَالَ هِىَ عَصَاىَ}.نسبها عليه السلام إلى نفسه تحقيقًا لوجه كونها بيمينه وتمهيدًا لما يعقبه من الأفاعيل المنسوبة إليه عليه السلام.واسمها على ما روي عن مقاتل نبعة، وكان عليه السلام قد أخذها من بيت عصى الأنبياء عليهم السلام التي كانت عند شعيب حين استأجره للرعي هبط بها آدم عليه السلام من الجنة وكانت فيما يقال من آسها.وقال وهب: كانت من العوسج وطولها عشرة أذرع على مقدار قامته عليه السلام.وقيل: اثنتا عشرة ذراعًا بذراع موسى عليه السلام.وذكر المسند إليه وإن كان هو الأصل لرغبته عليه السلام في المناجاة ومزيد لذاذته بذلك.وقرأ ابن أبي إسحاق والجحدري {عصي} بقلب الألف ياء وإدغامها في ياء المتكلم على لغة هذيل فإنهم يقلبون الألف التي قبل ياء المتكلم ياء للمجانسة كما يكسر ما قبلها في الصحيح.قال شاعرهم:وقرأ الحسن {هِىَ عَصَاىَ} بكسر الياء وهي مروية عن أبي ابن إسحاق أيضًا وأبي عمرو، وهذه الكسرة لالتقاء الساكنين كما في البحر.وعن ابن أبي إسحاق {عَصَاىَ} بسكون الياء كأنه اعتبر الوقف ولم يبال بالتقاء الساكنين، والعصا من المؤنثات السماعية ولا تلحقها التاء، وأول لحن سمع بالعراق كما قال الفراء: هذه عصاتي وتجمع على عصي بكسر أوله وضمه وأعص وأعصاء {أَتَوَكَّؤُا عَلَيْهَا} أي أتحامل عليها في المشي والوقوف على رأس القطيع ونحو ذلك {وَأَهُشُّ بِهَا} أي أخبط بها ورق الشجر وأضربه ليسقط {على غَنَمِى} فتأكله.وقرأ النخعي كما ذكر أبو الفضل الرازي وابن عطية {أهش} بكسر الهاء ومعناه كمعنى مضموم الهاء، والمفعول على القراءتين محذوف كما أشرنا إليه.وقال أبو الفضل: يحتمل أن يكون ذلك من هش يهش هشاشة إذ مال أي أميل بها على غنمي بما يصلحها من السوق وإسقاط الورق لتأكله ونحوهما، ويقال: هش الورق والكلأ والنبات إذا جف ولأن انتهى. {أهش} من أهش رباعيًا.وذكر صاحب اللوامح عن عكرمة ومجاهد {أهش} بضم الهاء وتخفيف الشين المعجمة ثم قال لا أعرف وجهه إلا أن يكون بمعنى أهش بالتضعيف لكن فر منه لأن الشين فيه تفش فاستثقل الجمع بين التضعيف والتفشي فيكون كتخفيف ظلت ونحوه اه وهو في غاية البعد.وقرأت جماعة {على غَنَمِى} بسكون النون.وأخرى {على غَنَمِى} على أن {على} جار ومجرور و{غَنَمِى} مفعول صريح للفعل السابق، ولم أقف على ذكر كيفية قراءة هذه الجماعة ذلك الفعل وهو على قراءة الجمهور مما لا يظهر تعديه للغنم، وكذا على قراءة غيرهم إلا بنوع تكلف، والغنم الشاه وهو اسم مؤنث موضوع للجنس يقع على الذكر والإناث وعليهما جميعًا ولا واحد له من لفظه وإنما واحده شاة وإذا صغرته قلت غنيمة بالهاء ويجمع على أغنام وغنوم وأغانم، وقالوا: غنمان في التثنية على إرادة قطعتين وقدم عليه السلام بيان مصلحة نفسه في قوله: أتوكأ عليها وثنى بمصلحة رعيته في قوله: {وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِى} ولعل ذلك لأنه عليه السلام بعد أن ناداه ربه سبحانه وتحقق أنه جل وعلا هو المنادي قال سبحانه له: ادن مني فجمع يديه في العصا ثم تحامل حتى استقل قائمًا فرعدت فرائصه حتى اختلفت واضطربت رجلاه وانقطع لسانه وانكسر قلبه ولم يبق منه عظم يحمل آخر فهو بمنزلة الميت إلا أن روح الحياة تجري فيه ثم زحف وهو مرعوب حتى وقف قريبًا من الشجرة التي نودي منها فقال له الرب تبارك وتعالى ما تلك بيمينك يا موسى؟ فقال ما قص عز وجل، وقيل: لعل تقديم التوكؤ عليها لأنه الأوفق للسؤال بما تلك بيمينك، ثم إنه عليه السلام أجمل أوصافها في قوله: {وَلِىَ فِيهَا مَأَرِبُ أخرى} أي حاجات أخر ومفرده مأربة مثلثة الراء.وعومل في الوصف معاملة مفرده فلم يقل أخر وذلك جائز في غير الفواصل وفيها كما هنا أجوز وأحسن.ونقل الأهوازي في كتاب الإقناع عن الزهري وشيبة أنهما قرءا: {مَأَرِبُ} بغير همز وكأنه يعني بغير همز محقق، ومحصله أنهما سهلا الهمزة بين بين، وقد روى الإمام أحمد وغيره عن وهب في تعيين هذه المآب أنه كان لها شعبتان ومحجن تحتهما فإذا طال الغصن حناه بالمحجن وإذا أراد كسره لواه بالشعبتين وكان إذا شاء عليه السلام ألقاها على عاتقه فعلق بها قوسه وكنانته ومخلاته وثوبه وزادا إن كان معه وكان إذا رتع في البرية حيث لا ظل له ركزها ثم عرض بالزندين الزند الأعلى والزند السفلى على شعبتيها وألقى فوقها كساءه فاستظل بها ما كان مرتعًا، وكان إذا ورد ماء يقصر عنه رشاؤه وصل بها، وكان يقاتل بها السباع عن غنمه.وذكر بعضهم أنه كان عليه السلام يستقي بها فتطول بطول البئر وتصير شعبتاها دلوًا وتكونان شمعتين في الليل وإذا ظهر عدو حاربت عنه وإذا اشتهى ثمرة ركزها فأورقت وأثمرت وكان يحمل عليها زاده وسقاءه فجعلت تماشيه ويركزها فينبع الماء وإذا رفعها نضب وكانت تقيه الهوام وكانت تحدثه وتؤنسه؛ ونقل الطبرسي كثيرًا مما ذكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.والظاهر أن ذلك مما كان فيها بعد، وتكلف بعضهم للقول بأنه مما كان قبل.ويحتمل إن صح خبر في ذلك ولا أراه يصح فيه شيء، وكأن المراد من سؤاله تعالى إياه عليه السلام أن يعدد المرافق الكثيرة التي علقها بالعصا ويستكثرها ويستعظمها ثم يريه تعالى عقب ذلك الآية العظيمة كأنه جل وعلا يقول: أين أنت عن هذه المنفعة العظمى والمأربة الكبرى المنسية عندها كل منفعة ومأربة كنت تعتد بها وتحتفل بشأنها فما طالبة للوصف أو يقدر المنفعة بعدها.واختيار ما يدل على البعد في اسم الإشارة للإشارة إلى التعظيم وكذا في النداء إيماء إليه والتعداد في الجواب لأجله؛ و{مَأَرِبُ أخرى} تتميم للاستعظام بأنها أكثر من أن تحصى، وذكر العصا في الجواب ليجري عليها النعوت المادحة وفيه من تعظيم شأنها ما ليس في ترك ذكرها، ويندفع بهذا ما أورد من أنه يلزم على هذا الوجه استدراك {هِىَ عَصَاىَ} إذ لا دخل له في تعداد المنافع.ويجوز أن يكون المراد إظهاره عليه السلام حقارتها ليريه عز وجل عظيم ما يخترعه في الخشبة اليابسة مما يدل على باهر قدرته سبحانه كما هو شأن من أراد أن يظهر من الشيء الحقير شيئًا عظيمًا فإنه يعرضه على الحاضرين ويقول: ما هذا؟ فيقولون هو الشيء الفلاني ويصفونه بما يبعد عما يريد إظهاره منه ثم يظهر ذلك فما طالبة للجنس و{تِلْكَ} للتحقير والتعداد في الجواب لأجله {مَأَرِبُ أخرى} تتميم لذلك أيضًا بأن المسكوت عنه من جنس المنطوق فكأنه عليه السلام قال: هي خشبة يابسة لا تنفع إلا منافع سائر الخشبات ولذلك ذكر عليه السلام العصا وأجرى عليها ما أجرى، وقيل: إنه عليه السلام لما رأى من آيات ربه ما رأى غلبت عليه الدهشة والهيبة فسأله سبحانه وتكلم معه إزالة لتلك الهيبة والدهشة فما طالبة إما للوصف أو للجنس وتكرير النداء لزيادة التأنيس، ولعل اختيار ما يدل على البعد في اسم الإشارة لتنزيل العصا منزلة البعيد لغفلته عليه السلام عنها بما غلب عليه من ذلك، والإجمال في قوله: {وَلِىَ فِيهَا مَأَرِبُ أخرى} يحتمل أن يكون رجاء أن يسأله سبحانه عن تلك المآرب فيسمع كلامه عز وجل مرة أخرى.وتطول المكاملة وتزداد اللذاذة التي لأجلها أطنب أولًا، وما ألذ مكالمة المحبوب، ومن هنا قيل: ويحتمل أن يكون لعود غلبة الدهشة إليه عليه السلام، وزعم بعضهم أنه تعالى سأله عليه السلام ليقرره على أنها خشبة حتى إذا قلبها حية لا يخافها وليس بشيء، وعلى جميع هذه الأقوال السؤال واحد والجواب واحد كما هو الظاهر، وقيل: {أَتَوَكَّؤُا عَلَيْهَا}.. إلخ. جواب لسؤال آخر وهو أنه لما قال: {هِىَ عَصَاىَ} قال له تعالى: {فَمَا قَالَ هِىَ عَصَاىَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْهَا}.. إلخ، وقيل: إنه تعالى سأله عن شيئين عن العصا بقوله سبحانه {وَمَا تِلْكَ} وعما يملكه منها بقوله عز وجل: {بِيَمِينِكَ} فأجاب عليه السلام عن الأول بقوله: {هِىَ عَصَاىَ} وعن الثاني بقوله: {أَتَوَكَّؤُا عَلَيْهَا}.. إلخ، ولا يخفى أن كلا القولين لا ينبغي أن يتوكأ عليهما لاسيما الأخير.هذا واستدل بالآية على استحباب التوكؤ على العصا وإن لم يكن الشخص بحيث تكون وترا لقوسه وعلى استحباب الاقتصاد في المرعى بالهش وهو ضرب الشجر ليسقط الورق دون الاستئصال ليخلف فينتفع به الغير.وقد ذكر الإمام فيها فوائد سنذكر بعضها في باب الإشارة لأن ذلك أوفق به.{قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19)}.{قَالَ} استئناف مبني على سؤال ينساق إليه الذهن كأنه قيل: فماذا قال الله عز وجل فقيل؟ قال: {أَلْقِهَا يا موسى موسى} لترى من شأنه ما ترى، والإلقاء الطرح على الأرض، ومنه قوله: وتكرير النداء لمزيد التنبيه والاهتمام بشأن العصا، وكون قائل هذا هو الله تعالى هو الظاهر، وزعم بعضهم أنه لا يجوز أن يكون القائل الملك بأمر الله تعالى وقد أبعد غاية البعد.{فألقياها} ريثما قيل له ألقها {فألقاها فَإِذَا هِىَ حَيَّةٌ تسعى} تمشي وتنتقل بسرعة، والحية اسم جنس ينطلق على الصغير والكبير والأنثى والذكر، وقد انقلبت حين ألقاها عليه السلام ثعبانا وهو العظيم من الحيات كما يفصح عنه قوله تعالى: {فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ} [الأعراف: 107] وتشبيهها بالجان وهو الدقيق منها في قوله سبحانه: {فَلَمَّا رَءاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ} [النمل: 10] من حيث الجلادة وسرعة الحركة لا من حيث صغر الجثة فلا منافاة، وقيل: إنها انقلبت حين ألقاها عليه السلام حية صفراء في غلظ العصا ثم انتفخت وغلظت فلذلك شبهت بالجان تارة وسميت ثعبانًا أخرى، وعبر عنها بالاسم العام للحالين، والأول هو الأليق بالمقام مع ظهور اقتضاء الآية التي ذكرناها له وبعدها عن التأويل.
|